Monday, October 29, 2007

هــلك الـمـتـنـطعـون

.
.
و ((أنا أكره التعصب المذهبي وأراه قصور فقه,وقد يكون سوء خلق...ولكن التقليد المذهبي أقل ضررا من الاجتهاد الصبياني في فهم الأدلة)) الشيخ محمد الغزالي
...................................................................................................................................................................................................................... .
.
قابلت في حياتي أناسا كثيرين زعموا بأنهم يمثلون السلف دون غيرهم,بل وسموا أنفسهم ب(السلفيين),وكثيرا ما كان يدور بيني وبينهم حوار داخل أروقة الجامعة أو خارجها,ولكن لا أدري لماذا كان الحوارينتهي في كل مرة بأن نتفق على ألا نتفق,وإني كلما حاولت أن أقلل من الفجوة التي بيننا,أو أن أوضح لهم أن هناك من القضايا التي تمس مستقبل الأمة ما هو أكبر بكثير من هذه الأمور التي تسببت في تشرذمنا وانقسامنا وربما عداوتنا,لم يزدهم ذلك إلا عنادا وصلفا واستهزاء,وربما اتهمني بعضهم بقلة العلم أحيانا وبالكفر أحيانا أخر.1
.
.
وبالرغم من أن أبرز ما يؤخذ على هؤلاء الأشخاص هو ذلك التشدد في التكاليف الشرعية وخاصة فيما يتعلق بالفروع
الفقهية منها,إلا أنني ومع ذلك لا أرى أبدا أن هذا هو سبب الخلاف بيننا,فليست هذه هي المشكلة الحقيقية لهذا الفكر,وإنما المشكلة الحقيقية-من وجهة نظري-تكمن في نقطتين اساسيتين:1
أولاهما:هو ذلك التعصب الشديد لدى البعض لاراء مذهب معين دون اخر,أو لاجتهاد عالم بعينه دون اخر,فهم يرون أن الحق في جانبهم دون غيرهم, وهو تعصب يصل في كثير من الأحيان إلى حد العنصرية, فأي عالم مسلم يجتهد ثم يقول بغير رأيهم يكون مخطئا قليل العلم,وأي مسلم يأخذ بغير رأيهم يكون اثما ضالا متبعا لهواه وربما وصل بهم الأمر إلى حد تكفيره
وثانيهما:تلك الفظاظة والغلظة التي يعبر بها البعض منهم عن رأيه,وهي في الحقيقة غلظة قد تصل في بعض الأحيان إلى سوء الأدب في التعامل مع الناس,بل وقد يتسبب البعض في إحراج الاخرين بدعوى تقديم النصح لهم بأمرهم بمعروف أو نهيهم عن منكر,فيكون من نتيجة ذلك أن ينفض الناس من حولهم بدلا من ان يلينوا لهم.1
.
.
وعلى الرغم من اني تعرضت في حياتي لكثير من المواقف التي رأيت فيها هاتين النقطتين السابقتين تبرز أمامي بشكل واضح وجلي,إلا أنني اثرت هنا أن أذكر بعض الأمثلة والاراء وخلاصة تجربة عالم جليل من علماء الأزهر الشريف ,بل وأحد أعلام الفكر الإسلامي...والذي عانى كثيرا من هذا الفكر وكرس كثيرا من كتاباته للتصدي لهذا التعصب الأعمى والفهم المغلوط لتعاليم الإسلام....هذا الرجل هو الشيخ\محمد الغزالي-رحمه الله وأدخله فسيح جناته-ونبدأ بمثال يرويه الشيخ محمد الغزالي في أحد كتبه حيث يقول:1
و((أذكر أني كنت ألقي محاضرة في اليوم العالمي للمراة فلما قلت:إن وجه المرأة وصوتها ليسا بالعورة...حدثت ضدي مظاهرة صاخبة,وسمعت طالبا يقول لزميله:كنا نحسن الظن بهذا ارجل فإذا هو شر من قاسم أمين)).....ويقول في مثال اخر((كنا ضيوفا عند أحد الناس فسكب في يدي قطرات من ماء الكلونيا, فإذا أحد الدعاة يصرخ:حرام نجس,فقلت له:دعني ورأيي إن مالكا يرى ريق الكلب وعرقه طاهرين))....ويروي كذلك أنه أثناء إلقائه إحدى المحاضرات,كان أحد الصحفيين يلتقط صورا للجمع الحاشد ولكن أحد الدعاة نهض إليه ومنعه من ذلك وكاد أن يكسر الة التصوير...ويقول الشيخ محمدالغزالي:((ثم جاءني الواعظ يسألني:لماذا لم تمنع التصويرقلت:لأني أراه مباحا))فرد عليه الواعظ قائلا:((إذا محاضرتك عن الوحدة الأسلامية لا تقبل مادامت مقرونة بإقرار التصوير))ثم يصور الشيخ محمد الغزالي حالته النفسية فيقول ((وشعرت بالضيق ثم كظمت غيظي ورفضت مواصلة النقاش))هذه بعض الأمثلة-وليس كلها-التي أوردها الشيخ محمد الغزالي في بعض كتبه ويتضح فيها ذلك التعصب الشديد الذي تحدثنا عنه في البداية
ثم يعجب الشيخ الغزالي من داعية يدخل المسجد فينظر إلى المنبر ثم يقول:بدعة,لماذا؟لأنه من سبع درجات,ويرى أن يقف على الثالثة لا يعدوها,ثم يرى المحراب قيقول:بدعة,لماذا؟لأنه مجوف في الجدار,ثم ينظر إلى الساعة ويقول:بدعة,لماذا؟لأنها تدق كالجرس,وأخيرا يتكلم...فيخوض في موضوع غث لا ينبه غافلا,ولا يعلم جاهلا,ولا يكيد عدوا....المهم عنده هم الاستمساك بالسنة على الشكل الذي يراه....انتهي
.
.
ولقد حاولت من خلال قراءتي لما كتبه الشيخ الغزالي أن أرصد نقاطا معينة كان الشيخ يرى أنها هي السبب وراء ظهور هذا الفكر بهذا الشكل,وقد لخصتها في ثلاث نقاط هي:1
أولا:محاربة الاستبداد السياسي لأصحاب العقول الكبيرة وفض مجامعهم,مما أفسح المجال-على حد تعبيره-لعارضي الحديث الذين يخبطون في السنة خبط عشواء....ولفقهاء الفروع الذين يخدعون العوام بسلعهم,وهم في الحقيقة يذكرون تفاصيل ثانوية يكثر فيها الأخذ والرد, ولا تمس جوهر العقيدة والشريعة
ثانيا:إندحار التعليم الأزهري من الناحية العلمية والتوجيهية ,مما أفسح المجال أمام أنصاف المتعلمين ليثيروا الفتن بدلا من إطفائها,فقد كان علماء الأزهر القدامى أقدر الناس على علاج هذه الفتن,فهم يدرسون دراسة تستوعب فكر السلف والخلف والأئمة الأربعة,كما يدرسون ألوان التفسير والحديث وما تضمن من أقوال واراء
ثالثا:عدم التدبر في ايات القران الكريم,وعدم توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القران القريبة والبعيدة,فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا0
.
وهو يرى أن استمرار هذا الفكر بهذه الصورة سوف يؤدي إلى
أولا:إخماد صحوة جديدة لديننا المكافح المثخن بالجراح
ثانيا:تدعيم السلطات المستبدة وبقائها لفترات أطول,فمثل هذه الخلافات التي لا تمسها تسر السلطات المستبدة وتسعدها,لكنها تشعر بالضرر البالغ عندما يقال:هل الدولة لخدمة فرد أم مبدأ؟ لماذا يكون المال دولة بين بعض الناس؟ هل يعيش الناس أحرارا أم تستعبدهم سياط الفراعنة؟
.
وهو في النهاية يقول بوجوب ترك الأمر لأهله من علماء الفقهاء الذين يضعون الأحاديث الشريفة موضعها في الإطار العام للإسلام الحنيف,وهم وحدهم القادرين على التنسيق والترجيح في حالة التعارض الظاهري للمرويات, فقد يصح السند ولا يصح المتن وقد يصحان جميعا ويقع الخلاف في المعنى المراد,وعندما يخالف أثرصحيح ما هو أصح يسمى شاذا ورفض,وعندما يخالف الضعيف الصحيح يسمى متروكا أو منكرا....وهذا باب واسع جدا يترك لأهل الاختصاص.هذه بعض الأمثلة والاراء لعالم مسلم جليل ,رأيت على الرغم من طولها وكثرتها أنه من الضروري ذكرها هنا والاستشهاد بها
.
.
يبقى لنا أن نقول إن السلفية ليست حكرا على أحد,ولا على مذهب معين دون اخر,وخير دليل على ذلك هو تعدد تيارات السلفية في فكرنا الإسلامي...فهناك من يقف في فهمه عند ظواهر النصوص ويسمي نفسه سلفيا,وهناك من يعمل عقله ويجتهد ويسمي نفسه سلفيا أيضا,وهناك أهل تجديد,وهناك أهل تقليد,وهم جميعا يقولون إنهم سلفيون,وهم كلهم يعودون في فهمهم إلى الكتاب والسنة,إن هذا التعدد والذي يقترب في أحيان كثيرة إلى حد التناقض قد أحاط مضامين هذا التعريف بكثير من الغموض.1
والغريب أن أكثر أتباع هذا الفكر,وأكثر من يسمون أنفسهم بالسلفيين يقولون إنهم حنابلة,ولكن مما يثير العجب أن الإمام أحمد بن حنبل والذي يتعصب هذا البعض لارائه أو اراء أتباعه,كان هو نفسه ضحية لهذا التعصب,ألم يتهم الإمام بالكفروالزندقة؟ فسجن وعذب وجلد,لأنه لم يوافق الخليفة على رأيه في مسألة خلق القران؟....والأغرب من ذلك أن الإمام أحمد بن حنبل لم يكن أبدا متعصبا لرأيه,بل كان يقول دائما كما يقول غيره من الأئمة العظام((رايي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب))....فهل يصبح الأمام أحمد ضحية للتعصب مرتين, مرة في حياته ومرة بعد مماته؟؟
.
.
وفي النهاية أذكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حين قال لأصحابه:(من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا
يصلين العصر إلا في بني قريظة)وحينما حان وقت العصر في الطريق اختلف الصحابة,قال بعضهم:(ما نضيع وقت العصر وما أراد الرسول بكلامه إلا استعجالنا)فصلوا في الطريق,بينما أنفذ الاخرون الأمر على ظاهره فلم يصلوا إلا في بني قريظة,فلما علم الرسول-صلى الله عليه وسلم-بهذا الأمر لم يعنف أو يعاقب أحدا من الفريقين,وإنما قام بجمعهم جميعا وحاربوا اليهود وانتصروا عليهم......فهل من أنفذ الأمر على ظاهره كان سلفيا؟ومن صلى في الطريق لم يكن كذلك؟؟
.
إن ما أريد أن أصل إليه في نهاية كلامي هذا كله هو أنه من حقك أن تقتنع باجتهاد عالم معين,وتأخذ برأي مذهب معين
وتعمل به,ولكن من حقي كذلك أن أقتنع باجتهاد اخر لعالم اخر واعمل به,فالدين يسر وهلك المتنطعون
.
عمرو أبوالحسن
.
.
.

3 comments:

أحمد موافي said...

رائع ياالريس...
المشكلة دي زادت جداً في الفترة الأخيرة .... الأهم من كده هو مواجهة الفكر بالفكر ....

noga said...

اعتقد انك اصبت في البداية بقولك اتفقنا علي الا نتفق هذا ما يحدث دائما في النقاش مع اي شخصية منهمسواء معي او مع غيري لدرجة اني سئمت الكلام معهم ....هم يقتنعون بوجهة نظر ولا يريدون الاستماع لاي كلام اخر ويطالبونك انت ايضا بالاقتناع بهذا الكلام..........ربنا يهدي الجميع

3mooooooooooooooooor said...

هلك المتنطعون

لقد أثرت في نفسي الكثير أيها اللورد الكبير بهذا الموضوع الشيق الجميل....ء
ورحم الله ذلك الشيخ الجليل صاحب الأدب الرفيع والدماغ المستنير والذي قلما أن تجود ظروف كالذي نعيشها بمثله
وأما بالنسبة لمن يتنطع في الدين ويصفنا بأننا ضالون ومضلون فقد عانيت الكثير معهم وانت تعلم ذلك علم اليقين ...وكم عانيت من استهزاء الكثيرين ونظرتهم الدونية لي لا لشيء اقترته إلا لأن الله قد وهبني موهبة فنية!!!!!ويالها من صراعات وجدالات اتهمت فيها بما يندى له الجبين من الضلال والبعد عن الله عز وجل!!!!!ولقد تبنيت مؤخرا مبدأعدم المناقشة وفوضت أمري لله ....ءولعلك تذكر ذلك الذي كان يجادلني في تحريم ماأفعله في الفن والذي وصل في نهاية حديثه معي إلى إخباري بأني يجب ألا أيأس لأنني أملك من الأخلاق والذوق والأدب الرفيع في التعامل مع الناس مايضمن لي دخول الجنة بالرغم من معصيتي الفنية!!!هل وصلت به درجة الجهالة إلى هذا الحد؟أهو يملك خزائن رحمة الله لكي يخبرني بنصيبي منها!!!؟؟وعندما سألته عن الكتب الدينية التي قرأها قال لي إنه لم يقرأإلا "رياض الصالحين"وفقط!!!!وغير ذلك الكثير مما تعرفه ومالا تعرفه والله المستعان
وأدعو الله من كل قلبي أن يفهم أنصاف
المتعلمين جوهر الدين أكثر من ذلك وأن يقرؤوا أكثر وألا يطلقوا العنان للتبجح وسب أي رأي يخالف أراءهم وأن يقبلوا الإختلاف على أنه رحمة وأن يوجهوا تركيزهم على مايهمنا من جمع الصفوف ولم الشمل بدلا من الفرقة والشتات الذين أظلما علينا بليل شديد السواد الله وحده يعلم متى يحين فجر الخلاص منه.........ء



تحياتي