Tuesday, November 13, 2007

حتى لا يكون استبدادا باسم الدين

.
.
و((تاريخنا الحديث والمعاصر ينطق بأن الإسلام لا ينتعش ويزدهر، ويدخل إلى العقول والقلوب، ويؤثر في الأفراد والجماعات، إلا في ظل الحرية التي يستطيع الناس فيها أن يعبروا عن أنفسهم، وأن يقولوا: (لا) و(نعم) إذا أرادوا ولمن أرادوا، دون أن يمسهم أذى أو ينالهم اضطهاد)).العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ......................................................................................................................................................................................................................
.
.
أستطيع أن أقول بل وأن أجزم بأنه لايوجد على وجه الأرض مسلم واحد مخلص لله ولدينه يرفض أو حتى يعترض على تطبيق الشريعة الإسلامية,بل يرى كل مسلم أن حل الكثير من المشكلات التي نتعرض لها اليوم في عالمنا الإسلامي يكمن في التطبيق السليم للشريعة الإسلامية,ولكن عندما تثار هذه القضية أجد في نفسي خوفا –لا من تطبيق الشريعة الاسلامية بالطبع-وإنما من أولئك الأشخاص الذين يزعمون أنهم سوف يقومون بتطبيقهاوهم قد لا يملكون تصورا واضحا أو رؤية محددة عن أسلوب الإسلام وطريقته في الحكم, فالمرء مهما بلغ من حكمة ومن عقل هو في النهاية بشر يصيب ويخطئ,وإذا لم يستطع هؤلاء
أولا:التخلص من التعصب لرأي مذهبي دون أخر أو اجتهاد فقهي دون غيره
ثانيا:التفرقة بين ارائهم الشخصية وبين ما يقول به الكتاب والسنة
فسوف تكون المصيبة كبيرة.
1
.
.

ولنلقي مزيدا من الضوء على هاتين النقطتين...فنحن نعلم أن الفقه الإسلامي ملىء بالاراء والاجتهادات,وعندما يأخذ الحاكم بأحد هذه الاجتهادات ويتعصب لها دون غيرها-سواء كان ذلك لهوى في نفسه أو لقناعة شخصية-فإن هذا التعصب وكما قلنا سابقا سوف يتحول إلى استبداد سياسي ولكنه أسوأ من أي استبداد اخر لأنه سوف يكون استبدادا باسم الدين وحينئذ لن تقوى أي معارضة على الاحتجاج.1
وتاريخنا الإسلامي مليء بمثل هذه الأمثلة التي ادعت أنها تطبق شرع الله في أرضه ولكنها تعصبت لرأي دون اخر ,بل وسعت إلى فرض رأيها على الاخرين بالقوة,بالرغم من أن هذا الرأي قد يكون ضعيفا أو حتى خاطئا بالمرة,ولننظر مثلا إلى فتنة خلق القران حيث يقول ابن كثير في البداية والنهاية عن فتنة خلق القران ومحنة الامام أحمد بن حنبل((قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل,وزينوا له القول بخلق القران ونفي الصفات عن الله-عزوجل-قال البيهقي:ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف ومنهاجهم فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينوا له,واتفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم فكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن ابراهيم بن مصعب بأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القران))...((فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من ائمة الحديث,فدعاهم إلى القول بذلك فامتنعوا,فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق فأجاب أكثرهم مكرهين واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل))انتهى.1
.
إن هذا مثال واضح جدا على الاستبداد السياسي باسم الدين,وعلى خطورة تعصب الحاكم لرأي دون اخر...ونذكر مثالا اخر يؤيد ما نقول... يروي ابن الجوزي عن الشيخ بن عقيل قال ((رأيت الناس لا يعصمهم من الظلم إلا العجز,لا أقول العوام بل العلماء ....كانت أيدي بعض الحنابلة مبسوطة في أيام ابن يوسف,فكانوا يتسلطون بالبغي على أصحاب الشافعي في الفروع,حتى لا يمكنوهم من الجهر بالقنوت وهي مسألة اجتهادية, فلما جاءت أيام النظام ومات ابن يوسف وزالت شوكة الحنابلة استطال عليهم أصحاب الشافعي استطالة السلاطين الظلمة واستعدوا عليهم,واذوا عامتهم بالسعايات والفقهاء بالنبذ والاتهام بالتجسيم)),قال ابن عقيل((فتدبرت أمر الفريقين فإذا هم لم تعمل فيهم اداب العلم,وهل هذه إلا أفعال العسكر؟يصولون في دولتهم ويلزمون المساجد في بطالتهم!))انتهى
وبعد أن ذكرنا هذا المثال نقول:إن كان هذا شأن العلماء والفقهاء فما شأن العامة ممن لم يتفقهوا في الدين؟؟!.
1
.
.
قلنا أيضا أنه من الضروري التفريق بين الرأي الشخصي والرغبات الخاصة,وبين ما يقول به الكتاب والسنة...فما أسهل أن يتحدث شخص ما بأنه سوف يطبق الشريعة وأنه سوف يتصرف وفقا لأحكام الدين,ثم يجيء ببعض المرتزقة المنتسبين للدعوة,ليفتوا له بما يريد,ثم ما عليه بعد ذلك إلا أن يفرض هذا الرأي بالقوة العسكرية ويكون عندئذ منفذا للشريعة مطبقا لحدود الله.....وها نحن نرى فتوى تصدر في إيران تنص على أن البترول ملك الأمة تستغله لمصالحها وحدها,في حين تصدر في إحدى الدول العربية فتوى أخرى تنص على أن البترول ملك الحاكم ينفقه كيف يشاء. 1
وأجد أنه من الضروري هنا في هذا السياق أن نذكر تلك القصة التي كان بطلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب,وهو رجل عرف كيف يفرق جيدا بين رأيه الشخصي وبين ما يقول به الدين....سأل عمر بن الخطاب رجلا له قضية:ما صنعت؟فقال الرجل قضي على بكذا,قال عمر لو كنت أنا-القاضي يعني-لقضيت بغير ذلك,قال صاحب القضية:فما يمنعك والأمر إليك؟,فقال عمر((لو كنت أردك إلى كتاب الله وإلى سنته نبيه –صلى الله عليه وسلم-لفعلت ولكني أردك إلى رأي والرأي مشترك)). 1
انظر إلى هذا الرجل الذي يحترم الرأي الاخر,وهو من هو في هذا الوقت؟إنه أمير المؤمنين أجمعين,ورئيس دولة الإسلام كلها,ومع ذلك لا يرفض الرأي الاخر حتى ولو كان مخالفا لوجهة نظره.
1
.
.
واختم حديثي في هذا الموضوع بما قاله الشيخ محمد الغزالي في كتابه ((الاسلام والاستبداد السياسي)),حيث قال((ليس لمخلوق أن يفرض على أمة رأيه وأن يصدر في أحكامه واتجاهاته عن فكرته الخاصة غير ابه لمن وراءه من أولى الفهم وذوي البصيرة والحزم,ومهما أوتي رجل من زيادة في مواهبه وسعة في تجاربه وسداد في نظره فلا يجوز أن يتجهم للاراء المقابلة ولا أن يلجأ لغير المناقشة الحرة والاقناع المجرد في ترجيح حكم على حكم وتغليب رأي على رأي...ذلك أنهم لن يكونوا أذكى عقولا وأنقى قلوبا من صاحب الرسالة العظمى محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم-وقد كان سيد الزعماء يستشير من معه وينزل عن رأيه إذا رأى الصواب مع غيره))فما أعظمك يا رسول الله ..صلى الله عليك وسلم... واتاك الوسيلة والفضيلة وبعثك المقام المحمود الذي وعدك ,إنه لا يخلف الميعاد.1


.
عمروأبوالحسن
.
.
.

Monday, November 5, 2007

الصوفية المفترى عليها

.
.
و((يجب أن يلاحظ أنه لا يمكن لأحد أن يطلق على نفسه أنه صوفي,اللهم إلا إذا كان ذلك منه جهلا محضا,لأنه بذلك يبرهن على أنه حقيقة ليس بصوفي,وذلك أن هذه الصفة (سر)بين الصوفي الحقيقي وبين ربه)) . د\عبد الحليم محمود
......................................................................................................................................................................................................................
.
.
ربما يظن من يقرأ عنوان هذا الموضوع-وللوهلة الأولى-أني أقصد أولئك الذين يهاجمون الصوفية في كتاباتهم أو أحاديثهم....إلا أنني في حقيقة الأمر لا أرى أبدا أن هؤلاء الأشخاص هم الذين افتروا على الصوفية و أهلها, بقدر ما أرى أن أولئك الذين زعموا بأنهم صوفيون ثم جاؤوا بأفعال وأقوال وتصرفات لم ينزل الله بهامن سلطان لينسبوها إلى التصوف هم المفترون الحقيقيون على الصوفية وأهلها.1
.
وأنا أحاول هنا أن أعرض لتصوري الشخصي عن مفهوم الصوفية كما أراه,بعيدا عن الخلافات الكثيرة التي يمكن أن تثار حول تعريف الصوفية أو نشأتها أو حول أصلها أومالها وما عليها.1
وأقول في البداية إنني لا أرى أن التصوف مذهبا يعتنقه البعض دون غيرهم.....كما لا أراها أبدا طريقة تتبع ولا زيا يلبس ولا وردا يردد.....إنما الصوفية في نظري شعور وحالة وجدانية يصل إليها العبد بسعي دائم وحثيث للتقرب إلى الله عز وجل,وهي حالة يشعرعندها العبد بحلاوة قربه من مولاه جل وعلا ولذة ذله لله تعالى,وهو حين يتملكه هذا الشعور لا يرى في الكون شيئا أحق بالسعي والعناء من أجله سوى وجه ربه جل وعلا,وعندها يخشع قلبه وتدمع عينه ويذكر لسانه وتخلص جوارحه.1
ولعله الشعور الذي قصده أحد العابدين حين قال:((إننا في لذة لو علمها الملوك لقاتلونا عليها))أو الذي قال عنه أحد الصالحين:((تأتي علي أوقات من شدة العبادة والقرب من الله-عزوجل-أقول لنفسي لو أن سعادتي في الجنة ولذتي فيها كهذه السعادة واللذة لكفاني)).1
ولعل الصوفية بهذا المفهوم هي التي قصدها النبي-صلى الله عليه وسلم-في حديثه الذي قال فيه عن ربه -تعالى-:((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه )).صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.1
وأنا أرى أن الصوفية بهذا المعنى تخرج من حيزها الضيق إلى فضاء أوسع وأرحب لتشمل حتى كثيرين ممن هاجموها ويهاجمونها,بل أكاد أزعم أننا جميعا بداخلنا شيء من التصوف.1
.

.
وأعود هنا إلى نقطة أخرى ألا وهي الطرق الصوفية التي تعددت وكثرت وحاد بعضها عن الطريق القويم والصراط المستقيم,وإلى تلك الأوردة التي يرددها البعض من أتباع هذه الطرق رغم ما بها من طلاسم مبهمة وكلمات غير مفهومة.....وقد قلت سابقا إني لا أرى التصوف طريقة معينة تتبع, ولازيا معينا يلبس ,ولاوردا محددا يردد....ولتوضيح وجهة نظري هذه, أكتفي هنا بذكر جزء بسيط من سيرة الإمام الجليل محمد عبده,حيث يقول إن نقطة التحول في حياته كانت حين التقى برجل صوفي حببه في العلم و في القراءة,وعندما سأله الشاب محمد عبده عن طريقته في التصوف وعن ورده اليومي,أجابه الشيخ قائلا:((إن طريقتنا الإسلام,ووردنا القران))انتهى..........أعتقد أن هذه هي الصوفية في أسمى وأروع معانيها.1
.
.
بقي لي نقطة واحدة في هذا الموضوع,ألا وهي الزهد عند المتصوفة,وقد تحدث فيه الكثيرون ,ولكني أثرت هنا أن أذكر بعض ما كتبه شيخ الأزهر الأسبق ورائد مدرسة التصوف في العصر الحديث الإمام الأكبر د\عبدالحليم محمود عن هذا الموضوع,فهو يقول في كتابه(أقطاب التصوف)والذي تناول فيه سيرة العالم والإمام الجليل ثفيان الثوري:((وأمر الزهد يلتبس على كثير من الناس,يظن البعض أنه التجرد من كل شيء,والأمر ليس كذلك عند الصوفية,ولم يكن كذلك عند الصحابة,فقد كان أبوبكر-رضي الله عنه-صاحب تجارة وثراء,وكان عثمان-رضي الله عنه-صاحب مال وثراء,وكان ثراء عبدالرحمن بن عوف ثراء عريضا,وكانوا زهادا...أي لم يكن المال يستعبدهم)).1
كما ورد في كتاب (لطائف المنن)أن فقيرا عليه لباس من شعر,دخل على(أبي الحسن الشاذلي)فلما فرغ أبوالحسن الشاذلي من كلامه دنا منه الرجل الفقير وأمسك بملبسه وقال:((ياسيدي ما عبد الله بمثل هذا اللباس الذي عليك))وكان أبو الحسن الشاذلي يلبس لباسا ناعما,فأمسك أبوالحسن الشاذلي بملبس الرجل الفقير وقال:((ولا عبد بمثل هذا اللباس الذي عليك,لباسي يقول للناس:أنا غني عنكم فلا تعطوني,.ولباسك يقول للناس:أنا فقير إليكم فأعطوني)),كما كان من دعائه اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا.
1
.
.
وفي النهاية أقول إن التصوف شعور,وسيلته الاجتهاد في العبادة,وطريقته الإسلام,وورده القران,وقاعدته أن تعرف الله ولتكن كيف شئت,وزهده قصر الأمل في الدنيا,وما ثم كرامة لمتصوف أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة.....وصدق الشاعر حين قال
ليس التصوف لبس الصوف تلبسه.....ولا بكـاؤك إن غـنــى الـمـغـنـــونا
ولا صيـاح ولارقـص ولا طــرب........ولا اختباط كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كــــدر.....وتتبع الحــــق والقـــــران والـديــنا
وأن ترى خـــاشعا لله مكـتـــئـــــبا.....علــــى ذنوبك طول الدهر محزونا

.
عمرو أبوالحسن
.
.
.