Saturday, January 26, 2008

مـــا هـــو الشعر؟

.
.
ف((الشاعر من يقف بين الثريا والثرى,يقلب إحدى عينيه في الذر ويجيل أخرى في الذرى,يأسر الطير ويطلقه,ويكلم الجماد وينطقه,ويقف على النبات وقفة الطل,ويمر بالعراء مرور الوبل))أمير الشعر والشعراء أحمد بك شوقي
......................................................................................................................................................................................................................
.
.
لقد كانت القصيدة العربية ولازالت ينبوعا للجمال, وسجلا للحكمة, وملاذا لكل عاشق,ففيها غنى قيس ليلاه, وفخر عنترة بقواه, وصب المتنبي حكمته, وسكب أبوفراس عبرته,فأضحت القصيدة العربية خير شاهد على براعة العربي ورقته,وسمو حسه وعبقريته.1
والقصيدة العربية وإن كانت قد مرت منذ نشأتها وحتى يومنا هذا بمراحل من الضعف والقوة وأزمنة من الموات والحياة, إلا إنها لم تشهد على مر عصورها من الغموض في تعريفها والضبابية في ملامحها مثلما تشهده في وقتنا الحاضر,وهو أمر أرجعه في المقام الأول إلى كثيرين من دعاة التجديد والحداثة ممن بالغو في تحرير الشعر وإطلاقه من أهم وأبسط أساسياته ,حتى لقد أصبحنا اليوم نبحث عن تعريف واضح للشعر فلا نجده, ونفتش عن أسس بينة لتقييم عمل أدبي فلا نكاد نعثر لها على أثرلذلك كان لزاما علينا في هذا الوقت بالذات أن نطرح هذا السؤال الهام ما هو الشعر؟
.
.
وأبدأ بقول الجاحظ في أحد كتبه((الشعر شيء تجيش به صدورنا فتقذفه على ألسنتنا)) وهذا التعريف وإن كان سليما إلى حد كبير إلا إنه لا يخلو من قدر من الغموض وعدم الدقة......وأقول إن السلامة هنا منشأها أن جزءا كبيرا من تعريف الشعر يكمن في اسمه,فالشعر مشتق من الفعل الثلاثي شعر,والعرب تقول شعر الرجل شعرا أي قال شعرا, وشعر به شعورا أي أحس به ,من هنا يمكننا أن نقول إن الشعر دفقة شعورية واضطراب وجداني يحاول الشاعربما لديه من أدوات أن ينقله إلى جمهوره من المستمعين والقراء,وبقدر ما يلامس الشاعر إحساس جمهوره,وبقدر ما يكون الاضطراب الذي تحدثه القصيدة عند الجمهور مساويا لاضطراب الشاعر نفسه,بقدر ما يكون نجاح الشاعر وفلاح القصيدة
.
أما عن عدم الدقة هنا فأقول إنه إذا ما كنا جميعا بشرا,نحس ونشعر,نحب ونكره,نثور ونغضب....وإذا ما كنا جميعا نمتلك القدرة على التعبير عما يجيش في صدورنا من مشاعر وأحاسيس ؟؟؟...فما الذي يميز الشعر إذا عن غيره من الكلام؟وما الذي يميز الشاعر عن غيره من البشر؟؟؟
هنا تبرز جلية أهمية (الموسيقى الشعرية) كركن ركين وأساس متين لا غنى عنه في بناء القصيدة,والحكم على سلامتها
فالشاعر هو من يستطيع أن يصوغ اضطراباته الشعورية في شكل موسيقي تطرب له أذن سامعه ,وتلذ له نفس متلقيه,فينتهي الشاعر من إلقاء قصيدته ولما ينتهي المتلقي من ترديد أنغامها وتكرارإيقاعاتها.....وعن هذا يقول الدكتور إبراهيم أنيس في كتابه الموسيقى الشعرية((فالشعر جاء منذ القدم موزونا مقفى,والشعر لايزال في جل الأمم موزونا مقفى,نرى موسيقاه في أشعار البدائيين وأهل الحضارة,ويستمتع بها هؤلاء وهؤلاء ويحافظ عليها هؤلاء وهؤلاء,فليحاول النقاد ما شاءت لهم المحاولة التفتيش عن كل أسرار الشعر,وليصوروها لنا ما شاء لهم التصوير,وليكشفوا لنا عما قد يكون فيه من أخيلة واستعارات وتشبيه ومجاز,وليؤلفوا من مثل هذا علما أو فنا للناس,غير أنا نطمع منهم أن يضعوا موسيقى الشعر في محلها الأسمى,وألا يقرنوها بشيء اخر قد يعثرون عليه في بعض الأشعار,أو يتعثرون في البحث عنه والتنقيب,فليس الشعر في الحقيقة إلا كلاما موسيقيا تنفعل لموسيقاه النفوس وتتأثر به القلوب))انتهى
.
.
وإني لأعجب كل العجب من أناس جعلوا شغلهم الشاغل الدعوة إلى تحرير الشعر من أوزانه وإطلاقه من موسيقاه,وهي دعوة كان أول من حمل لواءها الديوانيون(عبد الرحمن شكري,إبراهيم عبد القادر المازني,وعباس محمود العقاد)وذلك بدعوى التطوير والحداثة...وفي الحقيقة إن أحدا لم يجن على القصيدة العربية مثلما جنى عليها هؤلاء بدعوتهم هذه,فهم بذلك لم يزيدوا القصيدة العربية سوى ضعفا وانهيارا,بل وفتحوا المجال واسعا أما كل متسكع ليتجرأ على الشعر وعلى القصيدة العربية
وإني لأتساءل متعجبا....ترى ماذا سيبقى من الشعر إن نحن سلبناه موسيقاه؟
وهل يا ترى لو لم تكن أشعار العرب القدامى موزونة مقفاة,أفكان العرب يستطيعون استظهارها لتصل إلينا بكل هذه الوفرة في عصر لم يعرف العرب فيه التدوين أو الكتابة؟
.
.
وأنا وإن كنت أقف هذا الموقف المتشدد من ضرورة التزام الناظم بموسيقى الشعر كأساس في بناء القصيدة,إلا إنه من الضروري أن أوضح هنا نقطة بالغة الأهمية,وهي أنني حين أتحدث عن الموسيقى الشعرية فأنا لا أقصد بها أبدا أوزان الخليل,بل على العكس من هذا تماما فإني أرى أن من يقوم بقرض الشعر ونظمه على أوزان مخترعة خارج أوزان الخليل لا يعد مبتدعا أبدا,ولا يقدح هذا في شاعريته ولا في كون مايقوله شعرا,وهذا ما قال به الزمخشري في كتابه القسطاس حيث قال((والنظم على وزن مخترع خارج أوزان الخليل لا يقدح في كونه شعرا,ولا يخرجه عن كونه شعرا)).1
وفي النهاية أقول إنه لا يمكن أن تقوم لقصيدة قائمة من دون ركنين أساسيين ألا وهما الدفقة الشعورية والموسيقى الشعرية أو فليسمهما القاريء كيفما شاء....بل إني أذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فأقول إن أي عمل أدبي لا يلتزم بهذين العنصرين لا يمكن أن يعد شعرا,ولا يمكن أن نطلق عليه بأي حال من الأحوال اسم قصيدة
.
.
وإني لأرجو في الختام من كل عربي ومحب للشعر أن يضع القصيدة العربية في موضعها اللائق والمناسب بها,وهو وضع مقدس قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم((إن من البيان لسحرا,وإن من الشعر لحكمة)),وقال عنه ابن عباس رضوان الله وسلامه عليه((إذا قرأتم شيئا من كتاب الله فلم تعرفوه,فاطلبوه في شعر العرب,فإن الشعر ديوان العرب)),وأختم بقول معاوية رحمه الله:((يجب على الرجل أن يعلم ولده,والشعر أعلى مراتب الأدب)).1
رحم الله شعراءنا,وحفظ للعرب لغتهم,وللمسلمين كتابهم,واخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين,والصلاة والسلام على سيدنا محمد أشرف الخلق والمرسلين

.
عمرو أبوالحسن
.
.
.

Friday, January 11, 2008

الإخوان المسلمون حركة إسلامية أم حزبا سياسيا؟

.
.
و((لابد للمسلم أن يكون إماما في كل شيء , في العلم والقوة , في الصحة والجسم , في النفس والمال.....والتأخر في أي ناحية من هذه النواحي مخالف لتعاليم ديننا))الإمام الشهيد حسن البنا
......................................................................................................................................................................................................................
.
.
أرى إنه من الضروري في البداية إذا ما أردنا أن نتحدث عن الإخوان المسلمين أن نوضح عدة نقاط:1
أولا:إننا حين نتحدث عن الإخوان المسلمين فنحن لا نتحدث عن الدين الإسلامي,وإنما نتحدث عن أشخاص مسلمين هم في النهاية بشر غير معصومين يصيبوا ويخطئواأحيانا,وهم بذلك ليسوا فوق مستوى الشبهات ولا فوق مستوى النقد والتقييم.1
ثانيا:صحيح أن من أهم ما يميز ويحسب لجماعة الإخوان المسلمين هو أنهم أول وأكبر حركة إسلامية معاصرة تنادي بتطبيق الشريعة الإسلامية,ولكن هذا لا يعطي المبرر لبعض المتعصبين لفكر الإخوان لكي يرفضوا أي انتقاد لهم بحجة أنهم يمثلون الإسلام أويتحدثون باسمه...وهو أمر يصعب فهمه... فهل يعني هذا البعض بذلك أنهم وحدهم المسلمين دون غيرهم,أم أنهم أحسن إسلاما وأقوى إيمانا من غيرهم من المسلمين؟.
1
.
رأيت إنه من الضروري أن ابدأ بهذه المقدمة لأني لاحظت أن الكثيرين من المتعصبين لفكر الإخوان المسلمين يرفضون حتى مجرد الانتقاد لأن ذلك يعتبر من وجهة نظرهم انتقادا للإسلام نفسه.1
.
.
وفي ا لبداية أقول إنني أرى أنه من العدل والدقة إذا ما أردنا أن نتحدث عن الإخوان المسلمين أن نتحدث عن ثلاث مراحل أساسية:1
المرحلة الأولى:الأخوان المسلمون كحركة أسلامية
المرحلة الثانية:بداية التطلع للحكم
المرحلة الثالثة:الإخوان المسلمون والمطالبة بحزب سياسي

.
ونبدأ بالمرحلة الاولى وهي(الإخوان المسلمون كحركة إسلامية).1
وهنا أقول إنني أرى أن حركة الإخوان المسلمين بما نادت إليه من الرجوع إلى الإسلام كما هو في الكتاب والسنة ,وبدعوتها إلى تطبيق الشريعة الإسلامية في واقع الحياة,وتصديها لموجة المد العلماني في المنطقة العربية والإسلامية, تستحق من كل مسلم كل تقدير واحترام,بل وأستطيع أن أجزم بأن الرسالة التي حمل لواءها الإمام الشهيد حسن البنا يستحيل أن يكرهها مسلم مخلص لله ورسوله
.
المرحلة الثانية وهي( بداية التطلع للحكم).1
وأرى أن هذه المرحلة هي مرحلة انتقالية بين الإخوان المسلمين كحركة إسلامية وبين المطالبة بحزب سياسي أو المشاركة في الحياة السياسية,كما أرى أن هذه المرحلة هي التي حوت معظم أخطاء الإخوان,ففي هذه المرحلة بدأ بعض الإخوان يتطلع للحكم ويطالب به,ربما ظنا منه بأن هذه هي الوسيلة المثلى لخدمة الإسلام وبناء دولته,وليس حديثنا هنا عن أحقية الإخوان في طلب الحكم,فنحن نرى أنه من حق أي حزب أوجماعة أن تطالب بالحكم,ولكن حديثنا هنا عن شكل الوسائل التي حاول الإخوان من خلالها الوصول لمبتغاهم...فهل كانت الوسيلة التي اتبعها الإخوان هي محاولة تضميد جراح الأمة ونفخ الروح فيها من جديد؟,هل كانت الوسيلة هي محاولة تربية الشباب المسلم تربية إسلامية صحيحة تمكنهم في المستقبل من أن يطبقوا الإسلام في كل شيء حتى في حكوماتهم؟...الواقع والتاريخ يقول غير ذلك,فبعض الإخوان تعجل هذا الوصول للحكم,فلجأ إلى القوة والعنف والسلاح وهو ما ارتكبه التنظيم السري لجماعة الإخوان المسلمين والذي يسمى(بالتنظيم الخاص)فكانت النتيجة أن هذا البعض لم يلطخ يده فحسب بدماء الأبرياء,بل وضع نفسه ووضع باقي أفراد الجماعة موضع الاتهام والريبة والشك,وجلب الدمار على الحركة من الداخل والخارج.
1
.
أما المرحلة الثالثة:وهي(الأخوان المسلمون ومطالبتهم بحزب سياسي).1
فقد أشرت في موضوع سابق بعنوان(حتى لا يكون استبدادا باسم الدين)إلى بعض النقاط والملاحظات التي أرى أنه من الضروري أن يتنبه لها كل من ينادي بتطبيق الشريعة الإسلامية,ولقد أفضت في ذلك كثيرا,ولذلك فلاداعي لتكرار ما قلته في هذا الموضع مرة أخرى.
1
.
ولكني أضيف هنا أنني ما زلت أرى أنه من الأفضل أن يبقى الإخوان المسلمون حركة إسلامية تكرس كل جهدها للدعوة وخدمة الإسلام ونشر التعاليم الصحيحة للدين الإسلامي,أو على الأقل أن يكفوا عن كل هذا الاقتتال من أجل الحصول على حزب سياسي أو الوصول للحكم,فإن هذا الاقتتال جعل كثيرا من الناس يشكك في نوايا هذه الحركة ونبل أغراضها,كما إن طلب الحكم ليس هو الوسيلة الوحيدة لخدمة الإسلام ,وأذكر هنا ما قاله الشيخ محمد الغزالي في أحد كتبه:((إن إقامة الدولة المنهدمة لا تصح ولا تقم إلا بإقامة الأمة نفسها وشفائها من عللها,وهو عمل ينبغي أن يكون الشغل الشاغل للإسلاميين,إلى جانب نشاطهم النظري في بناء النظام السياسي للإسلام ,وعندي أن طلب الحكم لا يستغرق واحد بالمئة من العمل الإسلامي الصحيح أما التسعة والتسعون جزءا الأخرى ففي ترميم الكيان الشعبي المنهار في كل مكان))انتهى.1
.
.
كما إنني أرى كذلك أن الإخوان المسلمين لم يختبروا فعليا حتى هذه اللحظة,فوجود حركة واحدة على الساحة تتحدث باسم الإسلام وعدم وجود حركات أخرى مساوية لها في الحجم والمطالب ,كل ذلك يجعل تقييمنا لأداء الإخوان كحزب سياسي أمرا بالغ التعقيد والصعوبة,وأعتقد أن هذا الأمر انعكس على اللإخوان أنفسهم فلم نستطع أن نرى تصورا واضحا لديهم عن طريقة إدارتهم للحكم في حالة وصولهم إليه,واستشهد هنا برأي أخر للشيخ محمد الغزالي يقول فيه ((أصارح بأنني مرتاب من أفئدة مقاتلين من أجل الحكم,بل مرتاب في قدراتهم وخبراتهم,وأخشى إذا ما وقعت مقاليد الحكم في أيديهم أن يصاب الإسلام بما لاطاقة له به...هل عجزة اليوم سيكونون المقتدرين غدا....اللهم احرس الإسلام من هؤلاء الأصدقاء))انتهى.1
ولم يكن هذا رأي الشيخ محمد الغزالي وحده بل كان للأستاذ خالد محمد خالد رأي مماثل تقريبا,فهو يعلق على ما قاله الإمام البنا رحمه الله بأن الغد سوف يختص الإخوان بتبعاته قائلا:((لا الإخوان ولا قياداتهم كانوا في مستوى تبعات الغد,وقد كان الاستاذ البنا بخصائصه المتفوقة قادرا على الصعود فوق هذه المستويات لو أنه خطا ثلاث خطوات
أولا:الرفض المطلق لقيام النظام الخاص
ثانيا:بث الولاء للديموقراطية في روح الشباب بنفس القدر الذي يبث به الولاء للدين
ثالاثا:الصبر على المكاره))انتهى
.

.
وفي النهاية أقول إن من أكبر المشاكل التي تواجه جماعة الإخوان المسلمين في الوقت الراهن هو تاريخ الحركة وهو للأسف تاريخ شوهه بعض المنتمين للحركة بتصرفاتهم فأصبح تاريخا ملطخا بدماء الكثير من الأبرياء,ومليئا بالتحالفات التي تم نقضها والانقلاب على حلفائهم,كما إن به الكثير من الغموض في كثير من المواقف....كل ذلك يجعل الإنسان مرتابا عندما يسمع الإخوان المسلمون يطالبون بالحكم أو بحزب سياسي يمثلهم.1
.

.
عمرو أبوالحسن
.
.
.