Tuesday, November 13, 2007

حتى لا يكون استبدادا باسم الدين

.
.
و((تاريخنا الحديث والمعاصر ينطق بأن الإسلام لا ينتعش ويزدهر، ويدخل إلى العقول والقلوب، ويؤثر في الأفراد والجماعات، إلا في ظل الحرية التي يستطيع الناس فيها أن يعبروا عن أنفسهم، وأن يقولوا: (لا) و(نعم) إذا أرادوا ولمن أرادوا، دون أن يمسهم أذى أو ينالهم اضطهاد)).العلامة الشيخ يوسف القرضاوي ......................................................................................................................................................................................................................
.
.
أستطيع أن أقول بل وأن أجزم بأنه لايوجد على وجه الأرض مسلم واحد مخلص لله ولدينه يرفض أو حتى يعترض على تطبيق الشريعة الإسلامية,بل يرى كل مسلم أن حل الكثير من المشكلات التي نتعرض لها اليوم في عالمنا الإسلامي يكمن في التطبيق السليم للشريعة الإسلامية,ولكن عندما تثار هذه القضية أجد في نفسي خوفا –لا من تطبيق الشريعة الاسلامية بالطبع-وإنما من أولئك الأشخاص الذين يزعمون أنهم سوف يقومون بتطبيقهاوهم قد لا يملكون تصورا واضحا أو رؤية محددة عن أسلوب الإسلام وطريقته في الحكم, فالمرء مهما بلغ من حكمة ومن عقل هو في النهاية بشر يصيب ويخطئ,وإذا لم يستطع هؤلاء
أولا:التخلص من التعصب لرأي مذهبي دون أخر أو اجتهاد فقهي دون غيره
ثانيا:التفرقة بين ارائهم الشخصية وبين ما يقول به الكتاب والسنة
فسوف تكون المصيبة كبيرة.
1
.
.

ولنلقي مزيدا من الضوء على هاتين النقطتين...فنحن نعلم أن الفقه الإسلامي ملىء بالاراء والاجتهادات,وعندما يأخذ الحاكم بأحد هذه الاجتهادات ويتعصب لها دون غيرها-سواء كان ذلك لهوى في نفسه أو لقناعة شخصية-فإن هذا التعصب وكما قلنا سابقا سوف يتحول إلى استبداد سياسي ولكنه أسوأ من أي استبداد اخر لأنه سوف يكون استبدادا باسم الدين وحينئذ لن تقوى أي معارضة على الاحتجاج.1
وتاريخنا الإسلامي مليء بمثل هذه الأمثلة التي ادعت أنها تطبق شرع الله في أرضه ولكنها تعصبت لرأي دون اخر ,بل وسعت إلى فرض رأيها على الاخرين بالقوة,بالرغم من أن هذا الرأي قد يكون ضعيفا أو حتى خاطئا بالمرة,ولننظر مثلا إلى فتنة خلق القران حيث يقول ابن كثير في البداية والنهاية عن فتنة خلق القران ومحنة الامام أحمد بن حنبل((قد ذكرنا فيما تقدم أن المأمون كان قد استحوذ عليه جماعة من المعتزلة فأزاغوه عن طريق الحق إلى الباطل,وزينوا له القول بخلق القران ونفي الصفات عن الله-عزوجل-قال البيهقي:ولم يكن في الخلفاء قبله من بني أمية وبني العباس خليفة إلا على مذهب السلف ومنهاجهم فلما ولي هو الخلافة اجتمع به هؤلاء فحملوه على ذلك وزينوا له,واتفق خروجه إلى طرسوس لغزو الروم فكتب إلى نائبه ببغداد إسحاق بن ابراهيم بن مصعب بأمره أن يدعو الناس إلى القول بخلق القران))...((فلما وصل الكتاب استدعى جماعة من ائمة الحديث,فدعاهم إلى القول بذلك فامتنعوا,فتهددهم بالضرب وقطع الأرزاق فأجاب أكثرهم مكرهين واستمر على الامتناع من ذلك الإمام أحمد بن حنبل))انتهى.1
.
إن هذا مثال واضح جدا على الاستبداد السياسي باسم الدين,وعلى خطورة تعصب الحاكم لرأي دون اخر...ونذكر مثالا اخر يؤيد ما نقول... يروي ابن الجوزي عن الشيخ بن عقيل قال ((رأيت الناس لا يعصمهم من الظلم إلا العجز,لا أقول العوام بل العلماء ....كانت أيدي بعض الحنابلة مبسوطة في أيام ابن يوسف,فكانوا يتسلطون بالبغي على أصحاب الشافعي في الفروع,حتى لا يمكنوهم من الجهر بالقنوت وهي مسألة اجتهادية, فلما جاءت أيام النظام ومات ابن يوسف وزالت شوكة الحنابلة استطال عليهم أصحاب الشافعي استطالة السلاطين الظلمة واستعدوا عليهم,واذوا عامتهم بالسعايات والفقهاء بالنبذ والاتهام بالتجسيم)),قال ابن عقيل((فتدبرت أمر الفريقين فإذا هم لم تعمل فيهم اداب العلم,وهل هذه إلا أفعال العسكر؟يصولون في دولتهم ويلزمون المساجد في بطالتهم!))انتهى
وبعد أن ذكرنا هذا المثال نقول:إن كان هذا شأن العلماء والفقهاء فما شأن العامة ممن لم يتفقهوا في الدين؟؟!.
1
.
.
قلنا أيضا أنه من الضروري التفريق بين الرأي الشخصي والرغبات الخاصة,وبين ما يقول به الكتاب والسنة...فما أسهل أن يتحدث شخص ما بأنه سوف يطبق الشريعة وأنه سوف يتصرف وفقا لأحكام الدين,ثم يجيء ببعض المرتزقة المنتسبين للدعوة,ليفتوا له بما يريد,ثم ما عليه بعد ذلك إلا أن يفرض هذا الرأي بالقوة العسكرية ويكون عندئذ منفذا للشريعة مطبقا لحدود الله.....وها نحن نرى فتوى تصدر في إيران تنص على أن البترول ملك الأمة تستغله لمصالحها وحدها,في حين تصدر في إحدى الدول العربية فتوى أخرى تنص على أن البترول ملك الحاكم ينفقه كيف يشاء. 1
وأجد أنه من الضروري هنا في هذا السياق أن نذكر تلك القصة التي كان بطلها أمير المؤمنين عمر بن الخطاب,وهو رجل عرف كيف يفرق جيدا بين رأيه الشخصي وبين ما يقول به الدين....سأل عمر بن الخطاب رجلا له قضية:ما صنعت؟فقال الرجل قضي على بكذا,قال عمر لو كنت أنا-القاضي يعني-لقضيت بغير ذلك,قال صاحب القضية:فما يمنعك والأمر إليك؟,فقال عمر((لو كنت أردك إلى كتاب الله وإلى سنته نبيه –صلى الله عليه وسلم-لفعلت ولكني أردك إلى رأي والرأي مشترك)). 1
انظر إلى هذا الرجل الذي يحترم الرأي الاخر,وهو من هو في هذا الوقت؟إنه أمير المؤمنين أجمعين,ورئيس دولة الإسلام كلها,ومع ذلك لا يرفض الرأي الاخر حتى ولو كان مخالفا لوجهة نظره.
1
.
.
واختم حديثي في هذا الموضوع بما قاله الشيخ محمد الغزالي في كتابه ((الاسلام والاستبداد السياسي)),حيث قال((ليس لمخلوق أن يفرض على أمة رأيه وأن يصدر في أحكامه واتجاهاته عن فكرته الخاصة غير ابه لمن وراءه من أولى الفهم وذوي البصيرة والحزم,ومهما أوتي رجل من زيادة في مواهبه وسعة في تجاربه وسداد في نظره فلا يجوز أن يتجهم للاراء المقابلة ولا أن يلجأ لغير المناقشة الحرة والاقناع المجرد في ترجيح حكم على حكم وتغليب رأي على رأي...ذلك أنهم لن يكونوا أذكى عقولا وأنقى قلوبا من صاحب الرسالة العظمى محمد بن عبد الله-صلى الله عليه وسلم-وقد كان سيد الزعماء يستشير من معه وينزل عن رأيه إذا رأى الصواب مع غيره))فما أعظمك يا رسول الله ..صلى الله عليك وسلم... واتاك الوسيلة والفضيلة وبعثك المقام المحمود الذي وعدك ,إنه لا يخلف الميعاد.1


.
عمروأبوالحسن
.
.
.

Monday, November 5, 2007

الصوفية المفترى عليها

.
.
و((يجب أن يلاحظ أنه لا يمكن لأحد أن يطلق على نفسه أنه صوفي,اللهم إلا إذا كان ذلك منه جهلا محضا,لأنه بذلك يبرهن على أنه حقيقة ليس بصوفي,وذلك أن هذه الصفة (سر)بين الصوفي الحقيقي وبين ربه)) . د\عبد الحليم محمود
......................................................................................................................................................................................................................
.
.
ربما يظن من يقرأ عنوان هذا الموضوع-وللوهلة الأولى-أني أقصد أولئك الذين يهاجمون الصوفية في كتاباتهم أو أحاديثهم....إلا أنني في حقيقة الأمر لا أرى أبدا أن هؤلاء الأشخاص هم الذين افتروا على الصوفية و أهلها, بقدر ما أرى أن أولئك الذين زعموا بأنهم صوفيون ثم جاؤوا بأفعال وأقوال وتصرفات لم ينزل الله بهامن سلطان لينسبوها إلى التصوف هم المفترون الحقيقيون على الصوفية وأهلها.1
.
وأنا أحاول هنا أن أعرض لتصوري الشخصي عن مفهوم الصوفية كما أراه,بعيدا عن الخلافات الكثيرة التي يمكن أن تثار حول تعريف الصوفية أو نشأتها أو حول أصلها أومالها وما عليها.1
وأقول في البداية إنني لا أرى أن التصوف مذهبا يعتنقه البعض دون غيرهم.....كما لا أراها أبدا طريقة تتبع ولا زيا يلبس ولا وردا يردد.....إنما الصوفية في نظري شعور وحالة وجدانية يصل إليها العبد بسعي دائم وحثيث للتقرب إلى الله عز وجل,وهي حالة يشعرعندها العبد بحلاوة قربه من مولاه جل وعلا ولذة ذله لله تعالى,وهو حين يتملكه هذا الشعور لا يرى في الكون شيئا أحق بالسعي والعناء من أجله سوى وجه ربه جل وعلا,وعندها يخشع قلبه وتدمع عينه ويذكر لسانه وتخلص جوارحه.1
ولعله الشعور الذي قصده أحد العابدين حين قال:((إننا في لذة لو علمها الملوك لقاتلونا عليها))أو الذي قال عنه أحد الصالحين:((تأتي علي أوقات من شدة العبادة والقرب من الله-عزوجل-أقول لنفسي لو أن سعادتي في الجنة ولذتي فيها كهذه السعادة واللذة لكفاني)).1
ولعل الصوفية بهذا المفهوم هي التي قصدها النبي-صلى الله عليه وسلم-في حديثه الذي قال فيه عن ربه -تعالى-:((من عادى لي وليا فقد آذنته بالحرب ، وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضت عليه ، وما يزال عبدي يتقرب إلي بالنوافل حتى أحبه ، فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به ، وبصره الذي يبصر به ، ويده التي يبطش بها ، ورجله التي يمشي بها ، وإن سألني لأعطينه ، ولئن استعاذني لأعيذنه )).صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.1
وأنا أرى أن الصوفية بهذا المعنى تخرج من حيزها الضيق إلى فضاء أوسع وأرحب لتشمل حتى كثيرين ممن هاجموها ويهاجمونها,بل أكاد أزعم أننا جميعا بداخلنا شيء من التصوف.1
.

.
وأعود هنا إلى نقطة أخرى ألا وهي الطرق الصوفية التي تعددت وكثرت وحاد بعضها عن الطريق القويم والصراط المستقيم,وإلى تلك الأوردة التي يرددها البعض من أتباع هذه الطرق رغم ما بها من طلاسم مبهمة وكلمات غير مفهومة.....وقد قلت سابقا إني لا أرى التصوف طريقة معينة تتبع, ولازيا معينا يلبس ,ولاوردا محددا يردد....ولتوضيح وجهة نظري هذه, أكتفي هنا بذكر جزء بسيط من سيرة الإمام الجليل محمد عبده,حيث يقول إن نقطة التحول في حياته كانت حين التقى برجل صوفي حببه في العلم و في القراءة,وعندما سأله الشاب محمد عبده عن طريقته في التصوف وعن ورده اليومي,أجابه الشيخ قائلا:((إن طريقتنا الإسلام,ووردنا القران))انتهى..........أعتقد أن هذه هي الصوفية في أسمى وأروع معانيها.1
.
.
بقي لي نقطة واحدة في هذا الموضوع,ألا وهي الزهد عند المتصوفة,وقد تحدث فيه الكثيرون ,ولكني أثرت هنا أن أذكر بعض ما كتبه شيخ الأزهر الأسبق ورائد مدرسة التصوف في العصر الحديث الإمام الأكبر د\عبدالحليم محمود عن هذا الموضوع,فهو يقول في كتابه(أقطاب التصوف)والذي تناول فيه سيرة العالم والإمام الجليل ثفيان الثوري:((وأمر الزهد يلتبس على كثير من الناس,يظن البعض أنه التجرد من كل شيء,والأمر ليس كذلك عند الصوفية,ولم يكن كذلك عند الصحابة,فقد كان أبوبكر-رضي الله عنه-صاحب تجارة وثراء,وكان عثمان-رضي الله عنه-صاحب مال وثراء,وكان ثراء عبدالرحمن بن عوف ثراء عريضا,وكانوا زهادا...أي لم يكن المال يستعبدهم)).1
كما ورد في كتاب (لطائف المنن)أن فقيرا عليه لباس من شعر,دخل على(أبي الحسن الشاذلي)فلما فرغ أبوالحسن الشاذلي من كلامه دنا منه الرجل الفقير وأمسك بملبسه وقال:((ياسيدي ما عبد الله بمثل هذا اللباس الذي عليك))وكان أبو الحسن الشاذلي يلبس لباسا ناعما,فأمسك أبوالحسن الشاذلي بملبس الرجل الفقير وقال:((ولا عبد بمثل هذا اللباس الذي عليك,لباسي يقول للناس:أنا غني عنكم فلا تعطوني,.ولباسك يقول للناس:أنا فقير إليكم فأعطوني)),كما كان من دعائه اللهم اجعل الدنيا في أيدينا ولا تجعلها في قلوبنا.
1
.
.
وفي النهاية أقول إن التصوف شعور,وسيلته الاجتهاد في العبادة,وطريقته الإسلام,وورده القران,وقاعدته أن تعرف الله ولتكن كيف شئت,وزهده قصر الأمل في الدنيا,وما ثم كرامة لمتصوف أعظم من كرامة الإيمان ومتابعة السنة.....وصدق الشاعر حين قال
ليس التصوف لبس الصوف تلبسه.....ولا بكـاؤك إن غـنــى الـمـغـنـــونا
ولا صيـاح ولارقـص ولا طــرب........ولا اختباط كأن قد صرت مجنونا
بل التصوف أن تصفو بلا كــــدر.....وتتبع الحــــق والقـــــران والـديــنا
وأن ترى خـــاشعا لله مكـتـــئـــــبا.....علــــى ذنوبك طول الدهر محزونا

.
عمرو أبوالحسن
.
.
.

Wednesday, October 31, 2007

اشهدوا أني أحب هذا الرجل

.
.
و((قلت لنفسي:إن كنت قد أفدت شيئا من مصاحبة عمر بن الخطاب وسيرته وأخباره , فلا يحرجنك أن تزكي عملا له كلما رأيته أهلا للتزكية , وإن زعم زاعم أنها المغالاة , وأنه فرط الإعجاب))عباس العقاد
......................................................................................................................................................................................................................
.
.
لا أدري تحديدا منذ متى بدأ تعلقي بهذا الرجل,وشغفي الشديد به وبتتبع سيرته,وهو شغف جعلني أقول دائما وفي كل
مناسبة يذكر فيها اسمه ((إني أعشق هذا الرجل))....ولكنه أيضا شغف وضعني ولوقت طويل في حيرة من أمري وتساؤل ولماذا كان ((عمر بن الخطاب))بالذات؟؟.ترى ما المختلف في شخصيته عن أقرانه من الصحابة-رضوان الله
عليهم أجمعين-؟؟..وبعد تفكير طويل وجدتني أمام عنصرين أساسيين,رأيت أنهما كانا السبب الأساسي وراء ذلك:1
.
أولا:تلك المفارقات العجيبة في حياة هذا الرجل,وهي مفارقات لا تملك أمامها سوى أن تقف مندهشا ومتعجبا من ترتيبات
القدر لهذا الرجل,بل وربما تبسمت أحيانا من فرط المفارقة وهول المفاجأة........فعمر الذي قال عنه أحد الصحابة ذات يوم وهو يخاطب زوجته:((لا يسلم الذي رأيت حتى يسلم حمار الخطاب)),هو نفسه عمر الذي قال عنه عبد الله بن مسعود-رضي الله عنه- بعد ذلك:((إن إسلام عمر كان فتحا,وإن هجرته كانت نصرا,وإن إمارته كانت رحمة)),بل إنه ارتقى إلى المرتبة التي جعلت رسول الله-صلى الله عليه وسلم-يقول عنه:((إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه))صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.1
وعمر الذي وأد ابنته في الجاهلية ولم يلن قلبه لها حتى وهي تنفض الغبار عن لحيته,هو نفسه عمر الذي فزع حينما سمع بكاء طفل فأسرع إلى أمه يسألها عن السبب,فأجابت بأنها تحاول أن تعجل في فطامه لأن الخليفة عمر لا يفرض إلا للمفطوم,فإذا بعمر يبكي حتى لا يستبين الناس قراءته في الصلاة من شدة البكاء,ثم يقول:((بؤسا لعمر كم قتل من أولاد المسلمين)).1
وعمر الذي يعطي درته للمصري ليقتص من محمد بن عمرو بن العاص,ثم يقول لعمرو في حزم:(( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا؟)),هو نفسه عمر الذي يلقى صبيا في المدينة فيقول له وعيناه تفيضان بالدموع:((ادع لي يا بني , فإنك لم تذنب بعد)).1
وعمر الذي ما إن يسمع أعرابيا يقول لرسول الله-صلى الله عليه وسلم-:((أعطني فليس المال مالك ولا مال أبيك))حتي يستل سيفه ويهم بقطع رقبة الأعرابي,هو نفسه عمر الذي يعارضه أحد المسلمين في عزله لخالد بن الوليد قائلا:((والله ما أعذرت يا عمر,ولقد نزعت فتى ولاه رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأغمدت سيفا سله رسول الله,ووضعت أمرا رفعه رسول الله,وقطعت رحما,وحسدت بني العم)),فما زاد عمر على أن تبسم ثم قال:((إنك قريب قرابة,حديث السن,تغضب في ابن عمك)).1
أنه عمر بن الخطاب ...رجل اجتمعت فيه رحمة القوة وقوة الرحمة

.
ثــــانــيــا:إن أروع ما يمكن أن يجذبك في شخصية عمر بن الخطاب ويثير دهشتك , هو فهمه الفريد والعجيب للإسلام وأحكامه,وهو فهم يجعلك تسأل نفسك كثيرا...ترى كيف كان يفكر هذا الرجل؟؟.1
انظر إليه وهو يقبل الحجر الأسود ثم يقول:((إنك حجر لا تضر ولا تنفع,والله لولا أني رأيت رسول الله يقبلك ما قبلتك))....إنه يؤمن إيمانا تاما بأن النافع والضار هو الله وحده,ولكنه يرى أن الاقتداء بالنبي-صلى الله عليه وسلم-يجب أن يقدم على كل شيء حتى قناعته الشخصية بمدى جدوى ما يفعله,ويؤيد ذلك قوله وهو يهرول بين الصفا والمروة كاشفا عن منكبيه:((فيم هذا الرملان والكشف عن المناكب وقد أظهر الله الإسلام ونفى الكفر؟,ومع هذا لا ندع شيئا كنا نفعله في عهد رسول الله-صلى الله عليه وسلم))...إنه فهم أعمق بكثير من فهمنا للأمور...لذلك فهو قد يبدو غريبا علينا,لا لشيء إلا لأنه نبع من فطرة سليمة لم تفسدها الدنيا كما فعلت بنا.1
وهذا موقف اخر له,فقد جاؤوا له بسارق ليقيم عليه حد السرقة,فأخذ السارق يتوسل إلى عمر ألا يقطع يده , ويقسم له قائلا:((اقسم بالله يا أمير المؤمنين هذه أول مرة)),فانظر كيف كان رد عمر-رضي الله عنه -حاسما:((كذبت.... إن الله لا يفضح عبده من أول مرة))إنه يفهم من صفات الله مالا يفهمه غيره من الناس.1
واسوق هنا موقفين اخرين له -رضي الله عنه-يتضح فيهما جليا عبقريته
أولاهما:أنه رأى ذات يوم شيخا يهوديا يتكفف,فأمر له برزق من بيت المال,وقال له:((ما أنصفناك يا هذا,أخذنا منك الجزية فتى وأضعناك شيخا)).1
والموقف الاخر,هو رفعه حد السرقة في عام المجاعة,فقد جيء بفتيان سرقوا ناقة واعترفوا بذلك,فنظر عمر في وجوههم,فرأى هزالا باديا,فسأل من سيدهم؟,فقيل له:((عبد الرحمن بن حاطب بن أبي بلتعة)),فأرسل يستدعيه وأنبه تأنيبا شديدا,وقال له:((لقد هممت أن أقطع أيدي هؤلاء ,لولا ما أعلمه من أنكم تدئبونهم وتجيعونهم,حتى ان أحدهم لو أكل ما حرم الله عليه لحل له))....ثم أمره أن يؤدي لصاحب الناقة ثمانمائة درهم,رغم أن ثمنها الذي طلبه صاحبها أربعمائة درهم,وذلك تأديبا له.1
إنه عمر بن الخطاب الذي لا يكف عن البحث عن مصلحة الأمة وأفرادها......وقد يبدو كل ما سبق هينا إذا ما قورن بقراره الذي أصدره بإنهاء حكم شرعي مقررا باية قرانية لم تنسخ,حكم شرعي عمل به رسول الله-صلى الله عليه وسلم-وأبوبكر من بعده....هذا الحكم هو تخصيص جزء من ضريبة الزكاة للمؤلفة قلوبهم ...ويقول عمر في ذلك:((لقد كان رسول الله يعطيهم والاسلام يومئذ ضعيف.....أما اليوم فقد أعز الله دينه وأعلى كلمته....فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر,ولن يتسع هذا الدين إلا لمن يدخله راغبا مؤمنا)).
1
.
.
وفي النهاية أقول هل كان عمر-رضي الله عنه-مبتدعا في هذا كله؟؟...وهل كان-رضوان الله عليه-مبتدعا حينما سن صلاة التراويح في جماعة؟؟مع أن رسول الله-صلى الله عليه وسلم-لم يفعل ذلك؟؟.......حاش لله , ومن يستطيع قول ذلك,بل إنها فطرة الإسلام في أروع صورها...فطرة سليمة نقية نبع منها فهم عبقري فريد...فطرة جعلت من صاحبها محدثا ملهما,.فاستحق قول رسول الله-صلى الله عليه وسلم-:((لو كان بعدي محدثون لكان عمر))...إنه ابن الخطاب الفقيه العبقري,إنه المعلم الذي نفتقده كثيرا في أيامنا هذه ليعلم الكثيرين ممن أقفلوا عقولهم ولم يحاولوا فهم الدين,بل وحرموا غيرهم هذا الحق....ليعلم أولئك الذين شغلوا أنفسهم بالمظاهر والهيئات ولم يهتموا لا بروح الإسلام ولا بمصلحة الأمة كيف يفكروا وكيف تفهم الأمورفأين أنت يا أمير المؤمنين؟.....أين أنت ياعمر؟


.
عمرو أبوالحسن
.
.
.

Monday, October 29, 2007

هــلك الـمـتـنـطعـون

.
.
و ((أنا أكره التعصب المذهبي وأراه قصور فقه,وقد يكون سوء خلق...ولكن التقليد المذهبي أقل ضررا من الاجتهاد الصبياني في فهم الأدلة)) الشيخ محمد الغزالي
...................................................................................................................................................................................................................... .
.
قابلت في حياتي أناسا كثيرين زعموا بأنهم يمثلون السلف دون غيرهم,بل وسموا أنفسهم ب(السلفيين),وكثيرا ما كان يدور بيني وبينهم حوار داخل أروقة الجامعة أو خارجها,ولكن لا أدري لماذا كان الحوارينتهي في كل مرة بأن نتفق على ألا نتفق,وإني كلما حاولت أن أقلل من الفجوة التي بيننا,أو أن أوضح لهم أن هناك من القضايا التي تمس مستقبل الأمة ما هو أكبر بكثير من هذه الأمور التي تسببت في تشرذمنا وانقسامنا وربما عداوتنا,لم يزدهم ذلك إلا عنادا وصلفا واستهزاء,وربما اتهمني بعضهم بقلة العلم أحيانا وبالكفر أحيانا أخر.1
.
.
وبالرغم من أن أبرز ما يؤخذ على هؤلاء الأشخاص هو ذلك التشدد في التكاليف الشرعية وخاصة فيما يتعلق بالفروع
الفقهية منها,إلا أنني ومع ذلك لا أرى أبدا أن هذا هو سبب الخلاف بيننا,فليست هذه هي المشكلة الحقيقية لهذا الفكر,وإنما المشكلة الحقيقية-من وجهة نظري-تكمن في نقطتين اساسيتين:1
أولاهما:هو ذلك التعصب الشديد لدى البعض لاراء مذهب معين دون اخر,أو لاجتهاد عالم بعينه دون اخر,فهم يرون أن الحق في جانبهم دون غيرهم, وهو تعصب يصل في كثير من الأحيان إلى حد العنصرية, فأي عالم مسلم يجتهد ثم يقول بغير رأيهم يكون مخطئا قليل العلم,وأي مسلم يأخذ بغير رأيهم يكون اثما ضالا متبعا لهواه وربما وصل بهم الأمر إلى حد تكفيره
وثانيهما:تلك الفظاظة والغلظة التي يعبر بها البعض منهم عن رأيه,وهي في الحقيقة غلظة قد تصل في بعض الأحيان إلى سوء الأدب في التعامل مع الناس,بل وقد يتسبب البعض في إحراج الاخرين بدعوى تقديم النصح لهم بأمرهم بمعروف أو نهيهم عن منكر,فيكون من نتيجة ذلك أن ينفض الناس من حولهم بدلا من ان يلينوا لهم.1
.
.
وعلى الرغم من اني تعرضت في حياتي لكثير من المواقف التي رأيت فيها هاتين النقطتين السابقتين تبرز أمامي بشكل واضح وجلي,إلا أنني اثرت هنا أن أذكر بعض الأمثلة والاراء وخلاصة تجربة عالم جليل من علماء الأزهر الشريف ,بل وأحد أعلام الفكر الإسلامي...والذي عانى كثيرا من هذا الفكر وكرس كثيرا من كتاباته للتصدي لهذا التعصب الأعمى والفهم المغلوط لتعاليم الإسلام....هذا الرجل هو الشيخ\محمد الغزالي-رحمه الله وأدخله فسيح جناته-ونبدأ بمثال يرويه الشيخ محمد الغزالي في أحد كتبه حيث يقول:1
و((أذكر أني كنت ألقي محاضرة في اليوم العالمي للمراة فلما قلت:إن وجه المرأة وصوتها ليسا بالعورة...حدثت ضدي مظاهرة صاخبة,وسمعت طالبا يقول لزميله:كنا نحسن الظن بهذا ارجل فإذا هو شر من قاسم أمين)).....ويقول في مثال اخر((كنا ضيوفا عند أحد الناس فسكب في يدي قطرات من ماء الكلونيا, فإذا أحد الدعاة يصرخ:حرام نجس,فقلت له:دعني ورأيي إن مالكا يرى ريق الكلب وعرقه طاهرين))....ويروي كذلك أنه أثناء إلقائه إحدى المحاضرات,كان أحد الصحفيين يلتقط صورا للجمع الحاشد ولكن أحد الدعاة نهض إليه ومنعه من ذلك وكاد أن يكسر الة التصوير...ويقول الشيخ محمدالغزالي:((ثم جاءني الواعظ يسألني:لماذا لم تمنع التصويرقلت:لأني أراه مباحا))فرد عليه الواعظ قائلا:((إذا محاضرتك عن الوحدة الأسلامية لا تقبل مادامت مقرونة بإقرار التصوير))ثم يصور الشيخ محمد الغزالي حالته النفسية فيقول ((وشعرت بالضيق ثم كظمت غيظي ورفضت مواصلة النقاش))هذه بعض الأمثلة-وليس كلها-التي أوردها الشيخ محمد الغزالي في بعض كتبه ويتضح فيها ذلك التعصب الشديد الذي تحدثنا عنه في البداية
ثم يعجب الشيخ الغزالي من داعية يدخل المسجد فينظر إلى المنبر ثم يقول:بدعة,لماذا؟لأنه من سبع درجات,ويرى أن يقف على الثالثة لا يعدوها,ثم يرى المحراب قيقول:بدعة,لماذا؟لأنه مجوف في الجدار,ثم ينظر إلى الساعة ويقول:بدعة,لماذا؟لأنها تدق كالجرس,وأخيرا يتكلم...فيخوض في موضوع غث لا ينبه غافلا,ولا يعلم جاهلا,ولا يكيد عدوا....المهم عنده هم الاستمساك بالسنة على الشكل الذي يراه....انتهي
.
.
ولقد حاولت من خلال قراءتي لما كتبه الشيخ الغزالي أن أرصد نقاطا معينة كان الشيخ يرى أنها هي السبب وراء ظهور هذا الفكر بهذا الشكل,وقد لخصتها في ثلاث نقاط هي:1
أولا:محاربة الاستبداد السياسي لأصحاب العقول الكبيرة وفض مجامعهم,مما أفسح المجال-على حد تعبيره-لعارضي الحديث الذين يخبطون في السنة خبط عشواء....ولفقهاء الفروع الذين يخدعون العوام بسلعهم,وهم في الحقيقة يذكرون تفاصيل ثانوية يكثر فيها الأخذ والرد, ولا تمس جوهر العقيدة والشريعة
ثانيا:إندحار التعليم الأزهري من الناحية العلمية والتوجيهية ,مما أفسح المجال أمام أنصاف المتعلمين ليثيروا الفتن بدلا من إطفائها,فقد كان علماء الأزهر القدامى أقدر الناس على علاج هذه الفتن,فهم يدرسون دراسة تستوعب فكر السلف والخلف والأئمة الأربعة,كما يدرسون ألوان التفسير والحديث وما تضمن من أقوال واراء
ثالثا:عدم التدبر في ايات القران الكريم,وعدم توثيق الروابط بين الأحاديث الشريفة ودلالات القران القريبة والبعيدة,فلن تقوم دراسة إسلامية مكتملة ومجدية إلا بالأمرين معا0
.
وهو يرى أن استمرار هذا الفكر بهذه الصورة سوف يؤدي إلى
أولا:إخماد صحوة جديدة لديننا المكافح المثخن بالجراح
ثانيا:تدعيم السلطات المستبدة وبقائها لفترات أطول,فمثل هذه الخلافات التي لا تمسها تسر السلطات المستبدة وتسعدها,لكنها تشعر بالضرر البالغ عندما يقال:هل الدولة لخدمة فرد أم مبدأ؟ لماذا يكون المال دولة بين بعض الناس؟ هل يعيش الناس أحرارا أم تستعبدهم سياط الفراعنة؟
.
وهو في النهاية يقول بوجوب ترك الأمر لأهله من علماء الفقهاء الذين يضعون الأحاديث الشريفة موضعها في الإطار العام للإسلام الحنيف,وهم وحدهم القادرين على التنسيق والترجيح في حالة التعارض الظاهري للمرويات, فقد يصح السند ولا يصح المتن وقد يصحان جميعا ويقع الخلاف في المعنى المراد,وعندما يخالف أثرصحيح ما هو أصح يسمى شاذا ورفض,وعندما يخالف الضعيف الصحيح يسمى متروكا أو منكرا....وهذا باب واسع جدا يترك لأهل الاختصاص.هذه بعض الأمثلة والاراء لعالم مسلم جليل ,رأيت على الرغم من طولها وكثرتها أنه من الضروري ذكرها هنا والاستشهاد بها
.
.
يبقى لنا أن نقول إن السلفية ليست حكرا على أحد,ولا على مذهب معين دون اخر,وخير دليل على ذلك هو تعدد تيارات السلفية في فكرنا الإسلامي...فهناك من يقف في فهمه عند ظواهر النصوص ويسمي نفسه سلفيا,وهناك من يعمل عقله ويجتهد ويسمي نفسه سلفيا أيضا,وهناك أهل تجديد,وهناك أهل تقليد,وهم جميعا يقولون إنهم سلفيون,وهم كلهم يعودون في فهمهم إلى الكتاب والسنة,إن هذا التعدد والذي يقترب في أحيان كثيرة إلى حد التناقض قد أحاط مضامين هذا التعريف بكثير من الغموض.1
والغريب أن أكثر أتباع هذا الفكر,وأكثر من يسمون أنفسهم بالسلفيين يقولون إنهم حنابلة,ولكن مما يثير العجب أن الإمام أحمد بن حنبل والذي يتعصب هذا البعض لارائه أو اراء أتباعه,كان هو نفسه ضحية لهذا التعصب,ألم يتهم الإمام بالكفروالزندقة؟ فسجن وعذب وجلد,لأنه لم يوافق الخليفة على رأيه في مسألة خلق القران؟....والأغرب من ذلك أن الإمام أحمد بن حنبل لم يكن أبدا متعصبا لرأيه,بل كان يقول دائما كما يقول غيره من الأئمة العظام((رايي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب))....فهل يصبح الأمام أحمد ضحية للتعصب مرتين, مرة في حياته ومرة بعد مماته؟؟
.
.
وفي النهاية أذكر حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- حين قال لأصحابه:(من كان يؤمن بالله واليوم الاخر فلا
يصلين العصر إلا في بني قريظة)وحينما حان وقت العصر في الطريق اختلف الصحابة,قال بعضهم:(ما نضيع وقت العصر وما أراد الرسول بكلامه إلا استعجالنا)فصلوا في الطريق,بينما أنفذ الاخرون الأمر على ظاهره فلم يصلوا إلا في بني قريظة,فلما علم الرسول-صلى الله عليه وسلم-بهذا الأمر لم يعنف أو يعاقب أحدا من الفريقين,وإنما قام بجمعهم جميعا وحاربوا اليهود وانتصروا عليهم......فهل من أنفذ الأمر على ظاهره كان سلفيا؟ومن صلى في الطريق لم يكن كذلك؟؟
.
إن ما أريد أن أصل إليه في نهاية كلامي هذا كله هو أنه من حقك أن تقتنع باجتهاد عالم معين,وتأخذ برأي مذهب معين
وتعمل به,ولكن من حقي كذلك أن أقتنع باجتهاد اخر لعالم اخر واعمل به,فالدين يسر وهلك المتنطعون
.
عمرو أبوالحسن
.
.
.